إن المؤمن ليحب أن يتقرب إلى الله بكل عمل صالح , ومن أعظم الأعمال وأحبها إلى الله هي إقامة الصلاة على كمالها وتحسين أدائها , والصلاة ركن من أركان الإسلام ومن تركها فقد كفر , وكثير من الناس يصلي وهو لا يحسن أداء الصلاة ويجهل أركانها وواجباتها ويظن أن الذي فعله من أداء هو مقبول عند الله وأنه قد أدى الذي عليه , والحقيقة أن كثيرا من الناس لا يعلم أنه لم يصل صلاة صحيحة وقد يكون على ذلك من زمن بعيد وهو مفرط في أدائها , فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ، فدخل رجل فصلى ، ثم جاء فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام ، فقال : ارجع فصل ، فإنك لم تصل , فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ارجع فصل ، فإنك لم تصل , ثلاثا ، فقال : والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره ، فعلمني ، قال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر واقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " .
إن الذي لا يطمئن في صلاته ولا يعطي كل حركة من حركات الصلاة حقها في القيام وحقها في الركوع وحقها في الجلوس فقد أخل بالصلاة وأنتقص من أجرها فكيف بالذي ينقرها نقرا في سرعة شديدة يريد التخلص منها فهذا قد لا تقبل منه الصلاة ويحتاج لأن يعيدها كما أمر رسول الله ذلك الرجل حتى أعاد ثلاث مرات ولم يقل له صلاتك ناقصة بل قال له ( صل فإنك لم تصل ) أي صلاتك مردودة بالكامل وتحتاج لإعادة , أما الذي ينتقص من أدائها في بعض جوانب الصلاة كأن لا يركع مستويا في ظهره أو لا ينتصب قائما بعد الركوع بل يهوي مباشرة بعد الرفع أو لا يمكن أنفه وجبهته من السجود فهذا كله انتقاص , فقد روى الألباني في صحيح الجامع بسند حسن عن عمار بن ياسر " إن الرجل لينصرف و ما كتب له إلا عشر صلاته ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها " فلينظر أحدنا كم ضيع من صلاته بسبب عدم أدائها على الوجه الذي علم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال لهم "صلوا كما رأيتموني أصلي " .
وهناك أمور مكملة للصلاة والعناية بها واجبة فهي تتميم لأجر الصلاة ومعينة على كمال الصلاة ومعينة على الخشوع فيها ومنها إسباغ الوضوء والطمأنينة في أدائها فقد روى الألباني في صحيح الجامع بسند صحيح عن رفاعة بن رافع " إنه لا تتم صلاة أحدكم ، حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، فيغسل وجهه و يديه إلى المرفقين ، و يمسح رأسه و رجليه إلى الكعبين ، ثم يكبر الله و يحمده و يمجده ، و يقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله ، و أذن له فيه ، ثم يكبر ، فيركع ، فيضع يديه على ركبتيه ، و يرفع حتى تطمئن مفاصله و تسترخي ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، فيستوي قائما حتى يأخذ كل عظم مأخذه ، و يقيم صلبه ، ثم يكبر ، فيسجد ، فيمكن جبهته من الأرض ، حتى تطمئن مفاصله و تسترخي ، ثم يكبر ، فيرفع رأسه فيستوي قاعدا على مقعدته و يقيم صلبه ، ثم يكبر ، فيسجد حتى يمكن وجهه و يسترخي ، لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك " , أي لا تكون تامة في الأجر إلا أن يفعل في صلاته كلها مثل ما أمره رسول الله .
ومن الأمور التي تنتقص الصلاة كثرة الحركة والانشغال بالثياب أو بالذي في الجيب أو قد يكون هاتفك المحمول وغيره من أشياء عندك , فالسكون في الصلاة مطلوب عند أدائها حتى الذي يراك من بعد يظن أنك جذع شجرة من شدة سكونك وأنت خاشع في الصلاة فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ } اسكنوا في الصلاة {, قال : ثم خرج علينا فرآنا حلقا , فقال : ما لي أراكم عزين ؟ , قال : ثم خرج علينا فقال : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ , فقلنا : يا رسول الله ! وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الأول , ويتراصون في الصف " .
ومن المحامد الحسنة في الصلاة هو الخشوع فيها ولا يتمكن المصلي من الخشوع وهو يعبث بثيابه أو بيديه فيفرقع أصابعه أو يتأمل ساعته ويسرح بعينيه يمينا وشمالا وينظر إلى أعلى إلى سقف المسجد وهو في الصلاة , بل من كمال الصلاة ترك ذلك كله , قال محمد بن سيرين كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزلت هذه الآية ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم , وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " أي تقر عينه عن الحركة وتهدأ نفسه وتستريح إذا اشتغل بالصلاة , فكيف لنا نرى بعضنا في حركة دائمة من أول التكبير حتى يسلم وهو في عبث فلا يدري ما صلى أهي أربع ركعات أم ثلاث هل قرأ الفاتحة أم لم يقرأ بل كنت أسمع كثيرين ممن يصلون يقرؤون التحيات وهم قيام بدل الفاتحة وبعضهم يقرأ الفاتحة وهو راكع لا يدري أين هو من الصلاة .
فعلى المسلم العناية بهذا الركن العظيم في الصلاة (الطمأنينة ) فكثير من العلماء يرها ركن لا تتم الصلاة إلا بالطمأنينة في حركاتها ومن ضيع الطمأنينة فقد ضيع الصلاة وعليه الإعادة , ولو حسبت الوقت الذي كسبته من أجل هذه المسارعة لوجدته شيئا يسيرا لا يذكر ولكن الذي أضعته من الصلاة هو شيء الكثير وقد لا يعوض , فهناك من كبار السن الذين أمضوا حياتهم في أداء الصلاة على عجل ومسارعة سنين طويلة ولو جئت لتغير سلوكهم في أداء الصلاة لوجدت مشقة لاعتيادهم على ذلك , فهل تريد أجرا كاملا أم تريد ( سدسها سبعها ) كما جاء في الحديث .
فراجع أخي المسلم صلاتك ودقق فيها وتدارك أي خلل فيها فهي أول ما يحاسب عليه العبد من عمل , قبل أن يضيع عمرك وأنت تحسب أنك ممن يحسن عملا , وفقني الله وإياك على إتباع سيد المرسلين فقد قال ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) والأمر يقتضي الوجوب والواجب العمل به ..... والحمد لله رب العالمين .